نظرية الحب ؛ رحلة العودة للرحم
مقدمة :
الحب قاسم عالمي مشترك : تتغنى به أقدم الأشعار و أحدثها من كل اللغات . و له باللغه العربيه حوالي 50 إسم ( أو مصنف) ؛ الحب , الهيام , العشق , الود , الهوى , التكلف , التعلق ,الغرام ...إلخ . ثقافة الحب - بعد الدين - هي من الأمور الغير ملموسة المشتركة بين كل البشر من كل الحضارات و اللغات و البلدان على مر العصور.
الحب غريزه بشرية مشتركه : الكل يريد الحب , أو على الأقل في فتره معينه من عمره أراد الحب , بأي شكل من أشكاله ؛ كعلاقة حب بين مراهقين متقدة الأشواق , أو كعلاقة زوجية بين راشدين روتينية و آمنه .
لكل شخص حبه : سمه ما تسميه ! حب , رغبة جنسية , زواج , رفقة ... إلخ . أسماء مختلفة لعلاقة بين شخصين يميزها أنها تتشارك في ثلاث صفات : مشاركة بالمصير ( مهما قلت في درجتها أو زادت فهي موجودة بشكل أو بآخر ) , مشاركة الوقت أو الصحبة , و الإتصال الجسدي أو الجنسي . تجد هذه الصفات بين زوجين قديمين في الخمسين من عمرهم و كما تجدها في علاقة حب بين شاب و فتاة في العشرينات من أعمارهم خارج ميثاق الزواج .
و لكن ما هو هذا الحب ؟ لماذا نسعى له ؟ أو – بالأصح - لماذا نسعى من خلاله ؟ ماذا يفعل لنا هذا الحب ؟ ماذا يضيف لنا ؟ و السؤال الأهم : هل هو غاية أم وسيلة ؟ و إن كان وسيلة ؛ فلأي غاية توصلنا هذه الوسيلة ؟
من خلال نظريتي هذه لست أسعى لتكذيب أي شعور إنساني , أو نقد و نقض أشكال معينه للحب بهدف إختيار نوع واحد و إعلانه كالحب الحقيقي حصريا . و لكن – على العكس – مسعاي من خلال هذه النظرية التجرد من كل التفاصيل التي تشكل الفرق الظاهر بين أنواع و حالات و أسباب إرادة الحب و الحب و علاقة الحب , و البحث عن عامل مشترك بينها جميعا .
كثيرا ما تسمع هذه المقوله : "الحب غايه" أي أن الحب بحد ذاته هدف ليس يسعى لهدف بعده , و لكني من خلال نظريتي هذه أسعى لإثبات أن الحب وسيلة (واجهه) لغاية (دافع غريزي ) أكبر . مهما إختلفت أنواعه و أشكاله الظاهره أو حتى مسمياته و في أي مرحله من مراحله يتحد الهدف : و هو العوده للرحم .
المقال هذا يسعى للتوصل مع القاريء لهذه النتيجة عن طريق التدرج التالي : الجزء (أ) تحليل الوسيلة / الحب , الجزء (ب) تحليل الغاية / الرحم التي يحققها لنا الحب , و أخيرا الجزء (ج) توضيح علاقة الوسيلة (الحب) بالغاية (العودة للرحم) .
الجزء (أ) الحب الوسيلة :
عندما تجد نفسك في وضع محب مع حبيبه - سواءا كنتما زوجين منذ عشرة سنوات , أو زوجين جديدين خلال أول سنة زواج , أو راشدين في الثلاثين من أعماركم في علاقة حب متزنة أو جنسية , أو كمراهقين تمران بأول تجربة حب مندفعة - فماذا تفعل به أو معه يا هل ترا ؟ هل تكتفي بكونك تحب أو في الحب و تحس بأنك وصلت لغايتك و تبقى ساكننا ؟ أم تنتقل من هذا المنطلق إلى تصرفات – أفعال- أخرى ؟ هل تصل للحب و تكتفي به أم من خلال الحب تصل لما بعده / لما يمنحك إياه ؟ هل الحب نهاية المطاف ( الجائزة ) أم هو بداية المطاف ( بداية الطريق للجائزة ) ؟ . مهما إختلفت الصور و الحالات الظاهره فالإجابه متحدة في مضمونها : عندما أجد نفسي في وضع محب مع حبيبه أفعل بمن أحب – أو معه – أفعالا تسكنني إليه نفسيا , و تسكنني إليه جسديا .
دعنا عزيزي القاريء ندرس أول قصة حب مرت على البشرية : حوّا و آدم . أولا من خلال القرآن الكريم , و ثم من خلال البايبل .
حوّا و آدم بالقرآن :
يروي الأحاديث النبوية حكاية بدء الخلق كالتالي : "عاش آدم فترة من الزمن في الجنة وحيداً فأخذه الضجر كما جاء في الأحاديث وفي يوم من الأيام وبينما آدم نائماً أخذ الله ضلعاً من أضلاعه من جهة اليسار فشكل منه حواء وكسا هذا العظم لحماً ، فحواء خلقت من آدم ولما نهض رآها بجانبه فسألها من أنت ؟ قالت : امرأة قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إليّ، ولما رأت الملائكة هذه المرأة سألت آدم مااسمها؟ فعلمه الله اسمها فقال : حواء قالوا : ولم سميت حواء؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي فسميت حواء ."
و تتحدث الأيات القرآنية عن خلق آدم و حوّا : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )
حوّا و آدم بالبايبل :
يروي البايبل حكاية بدء الخلق كالتالي : " فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام ، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما . وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم . فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي . هذه تدعى امرأة لأنها من امرءٍ أخذت . لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا .
إذا نستنتج من السابق أن طبيعة هذا الحب الأول كانت كالتالي :
§ نوع العلاقة : مودة و رحمة .
§ السبب الهدف : السكن .
§ لا يحس الإنسان بالكمال جسديا إلا بعودة الجزء للكل أي بإلتصاق آدم جسديا بحوّا
§ أن ما تمنحه هذه العلاقة من أساسيات للروح البشرية لا تغنيه عنها ما تمنحه علاقته بذويه أو غيرهم .
1-
الجزء (ب) الرحم كغاية :
سأبدأ بأسئلة تحليليه : تسمي حبيبك شريك , و تسمي زوجك شريك حياة ؛ و لكن بماذا يشاركك هذا الحبيب يا هل ترا ؟ . سؤال آخر : لماذا تريد أن تحب ؟ لكي لا أكون وحيدا ؛ كيف يمكن لهذا الحبيب أن يذهب عنك الإحساس بالوحده ؟ كيف يمكن لهذا الحبيب "الواحد" أن يبدد الوحده التي لم يستطع عشرة من أهلك و خمسه من أصدقائك الحميمين و ثلاثون من أصحابك و معارفك و جيرانك أن يبددوها ؟ لماذا لا تبحث عن صديق أو – لأسباب منطقيه و لدواعي السهوله - لماذا لا تبدد الوحده بالإلتصاق بأمك أو أبيك بدلا عن الحبيب ؟ . إذا ؛ أنت تبحث عن الحب الذي سيحسسك بأن شخصا يشاركك شيئا تجهله و أنه يبدد نوعا من الوحدة لم يستطع كل الأشخاص من حولك تبديدها !
أ- داخل رحم الأم حتى الولادة :
هنا عزيزي القاريء نعود للرحم ؛ منزلك الأول و حياتك الأولى . نعود لتلك السبعة أشهر و عشرون يوما داخل رحم أمك , منذ اللحظة التي بث فيها الخالق الروح لجسدك كجنين عمره 40 يوما إلى أن خرجت لهذه الدنيا ؛ لهذه الحياة خارج الرحم .( و قد تمتد إلى مرحلة الرضاعة , و قد تمتد حتى لحظة بلوغك ) لا أطلب منك عزيزي القاريء تذكر حالتك في تلك الحياة و لكن أرجو منك تخييل حالة جنين داخل رحم أمه . دعنا نعدد بعض حالات تلك الحياة بالمقارنة مع حياتك خارج الرحم :
-1- حالات جسدية :
أ- الدفء
ب- الإحتواء
ت- الظلام ( إنعدام الرؤيا )
ث- التغذية
-2- حالات نفسية :
أ- الأمان
ب- الحنان
ت- المصير المشترك
فبالتالي نجد أن الفرق بين حياة الرحم و حياة خارج الرحم هي بالحالات الجسدية أولا , ففي حياة الشخص في الرحم يكون في حالة دفء دائم على عكس حالته المتبدله من حراره و بروده في حياة خارج الرحم . و يكون في حياة داخل الرحم في حالة إحتواء دائم داخل الرحم وليس كمثل حالته في حياة خارج الرحم المتقلبه ما بين إحتواء داخل مكان مريح ( كمنزله مثلا ) و مكان غير مريح ( مستشفى / عمل / سجن ) و البقاء في العراء , و يكون كذلك في حياة الرحم في حالة ظلام – أو بمعنى أدق حجب الرؤيا – بينما تجد أن الشخص في حياة خارج الرحم تتبدل حالته ما بين رؤية المبهج و المؤذي . أخيرا , و الأهم من الحالات الجسدية , أن الشخص في حياة الرحم يعتمد على غيره في غذائه دون علمه بذلك أصلا و دون تصرف منه بالبحث عن شخص يغذيه و دون الوصول لمرحلة الجوع , بينما يعتمد الشخص في حياة خارج الرحم على نفسه لتغذيته و يصل لمرحلة الجوع , فمنذ أول أيام في حياة الطفل المولود يضطر لتعلم البكاء للحصول على الغذاء .
أما عن ثاني الفروقات بين حياة الرحم و حياة خارج الرحم هي في الحاله النفسية ؛ ففي حياة الشخص في الرحم يكون في حالة أمان أي حالة حماية دائمة ناتجة عن الحائط البشري الذي يحيطه على عكس حالته المتبدله من أمان و خطر في حياة خارج الرحم . كذلك يكون الشخص في حالة حنان ناتج عن إتصال جسدي غير منقطع خلال حياتة داخل الرحم , على عكس حالته خارج الرحم حيث يتقلص الإتصال الجسدي لثواني لمصافحة صديق و ثواني لتقبيل والديه و - كحد أقصى من الإتصال الجسدي – جزء من اليوم لممارسة الجنس . و أخيرا , تجد الشخص في حياة الرحم في أبعد ما يمكن أن يكون عن الوحدة بسبب أنه يتشارك في مصيره مع أمه , على عكس حالته في حياة خارج الرحم و التي تتسم بأن كل شخص له مصيره و عمره المنفصل عن غيره مهما تشارك مع ابويه في المصير فإنه لن يعود لحالة المشاركة التامة التي كان يتمتع بها في حياة داخل الرحم .
ب- داخل حضن الأم حتى الفطام :
تتسم هذه المرحلة بأنها تدرج للأقل فالأقل كمرحلة إنتقالية ؛ فهي أقل من مرحلة داخل الرحم في بعض السمات و أكثر من مرحلة ما بعد الفطام في بعض السمات . فهنا تزول السمات الجسدية تماما : الدفء , الإحتواء , الظلام ( إنعدام الرؤيا ) , و التغذية . فكما ذكرنا سابقا , أول الأشياء التي يتعلمها المولود هي حاجته للبكاء كلما أحس بالجوع و بذلك تنعدم سمة التغذية . أما عن السمات النفسية فتقل منها إثنتين ( الأمان و الحنان – بحكم الإنفصال الجسدي و تحول الإتصال الجسدي من دائم إلى أقل خلال عملية الرضاعة رئيسيا و خلال إهتمام الأم العام بطفلها و ملاعبته ثانويا ) و تزول من تلك السمات واحدة تماما ( وحدة المصير – مع التنوية بأن الطفل ما زال يجهل هذه الحقيقة ) .
ج- داخل الطفولة بين الوالدين حتى البلوغ :
ألم تسأل نفسك يوما - عزيزي القاريء - لماذا يتزامن بلوغ الشخص مع وصوله لسن الرشد ؟ , لماذا لا يبلغ الشخص في منتصف العشرينات من عمره مثلا ؟ أو لماذا لا يصل الشخص لبدء سن الرشد في نهاية العشرينات من عمره (أي يستمر بالتصرف كطفل في العاشرة من عمره ) ؟ . إذا , لماذا يتزامن هذان الإثنان ؟ أهو من محض الصدفه ؟ أم أن هناك علاقة بين الإثنان ؟
لو كنت – مثلي - ممن يؤمنون بأن حكمة الخالق شملت حتى هذه التفاصيل الصغيرة في عملية خلق البشر فمن المؤكد بأنك ستجيب على الأسئلة السابقة بحتمية وجود سبب لتزامن هذين الحدثين في حياة الشخص . إجابة هذه الأسئله ذات أهمية عالية في نظريتي هذه . بإختصار شديد ؛ الوصول لسن الرشد يشكل آخر مرحلة من مراحل الإنتقال من حياة الرحم لحياة خارج الرحم . فعند الوصول لسن الرشد تنتهي آخر سمتين من سمات حياة الرحم و هما : وقوع كافة مسئوليات الحياة على الأم و الأب , و الجهل بشرور الدنيا من موت و مرض و حرب . فقبل هذه النقطة من حياة الشخص كان يعتمد "بلاوعي" على والديه في كل شيء و كان يجهل وجود الشر المطلق أو الشر الذي لا يستطيع حتى والدية رده عنه . و خير مثال على زوال هاتين السمات هو بدء "تحمل مسئولية" التكليف الديني و "و الوعي" بعواقبه من جنة أو نار و عذاب قبر .
ولكن كيف يعيدنا الحب لهذه الحاله المفقودة عند آخر مراحل الخروج من الرحم ؟ الإجابه : و هنا تكمن الإجابه على السؤال رقم 1 ( بماذا يشاركك هذا الحبيب ؟ ) فمع هذا الحبيب أنت تحاول العوده لما فقدته عند وصولك لسن الرشد و هو تحمل والديك كافة مسؤليات حياتك , فأنت تشارك هذا الحبيب همومك و أحداث حياتك و من ثم فهو يشاركك مسئولياتها .
الجزء (ج) علاقة الوسيلة بالغاية :
هنا عزيزي القاريء نصل لإجابة السؤال الرئيسي : كيف يوصلنا الحب كوسيلة للعودة لحياة الرحم كغاية ؟ و لماذا لا يتحقق لك الشيء ذاته بعلاقة من نوع آخر ؟
قد تجد كل السمات النفسية لعلاقتك بمنزلك الأول (رحم أمك) – بدرجة قليلة بالمقارنه معها في حالة الكمال في حياة داخل الرحم - من خلال علاقة مودة الأبوين أو الإخوة أو علاقة الصداقة , من أمان , حنان , مصير مشترك . و لكنك تجدها بشكل أكبر (في أقرب صورة محتملة من الكمال خارج الرحم ) في علاقة الحب . و الأهم من ذلك , أنك تجد بعض السمات الجسدية لحالتك بالرحم من خلال الحب , بالذات في لحظات الإتصال الجنسي . فيعيدك هذا الجسد الذي يلتف بك لحالة الدفء و الإحتواء و الظلام ( المنقوصين بطبيعة الحال ) إلى أقرب ما يمكن من حالتك الجسدية داخل الرحم .
ملخص النظرية :
1- الكل يريد الحب
2- الحب وسيلة و ليس غاية
3- الغاية الحقيقية هي العودة بأكبر قدر ممكن لحالة الإنسان داخل منزله الأول ( رحم الأم )
4- بالتالي فأقرب وضع يعيد الشخص لحالته النفسية و الجسدية خلال حياة الرحم هو الحب و بالذات خلال لحظات الإتصال الجسدي بين المحبين .
هذة اجمل تحياتي ........البرنس